![]() |
د. ايمن المحجوب |
لاحظت من واقع مطالعتي للصحف ومشاهدتي للبرامج الإعلامية محلية كانت أو إقليمية أو حتي دولية في فترة ما بعد ثورة يناير وما لاحقها من أحداث لا أعرف ما اسمها (بلطجة، فلول نظام قديم، فتنة طائفية) بل أفضل تسميتها خراب مصري مصري تناقضاً واضحاً في التحليل حول ما يقال محلياً وغير محلي، وتأكدت أن ما يقوله ابن البلاد من كلمة تخالف هوي بعض أصحاب الصحف والقنوات التليفزيونية، فيرمون بما اعتادوا أن يرموا به مخالفيهمويقول الآخر الكلمة نفسها بالتمام في وقت يناسب هواهم فيعدها كلمة ذهبية وينسوا أنها كانت بالأمس نحاسه أو أقل، فما السر في هذا؟
إن الأماني في المسألة المصرية ليست بسيطة يمكن تحقيقها حالاً، وأنه من العبث الاستنجاد بالمعونات الخارجية غربية كانت أم شرقية، وأن التماس مداخلتها لا يفيد، وأن الهياج يضر، وأنه لا شيء أنفع للمصريين من اعتمادهم علي أنفسهم لتحصيل الكفاءة بالمجموع، فقيام البعض الخارجي يتخرصون في شأننا ويرموننا ويظنون أن هذا يحزننا أو يحرجنا، كلا إنما يحزننا أمران: أولهما أن يضيع الرأي العام في ضوضاء هذه الأهواء، وثانيهما أن تكون المناقشة داخلنا فوضي إلي درجة أن أحدنا يذم منا الشيء ويمدحه من غيرنا، وأن الشواهد لهذا كثيرة!
ويعلم القراء أنه حينما يقول صاحب المقام العالي في بلاد الأحلام والديمقراطية من جانب »إن الواجب علي الشعوب كلها أن تمارس الضغوط علي الدول الآخذة في النمو أمثال مصر بتطبيق الديمقراطية وممارسة الحريات واحترام حقوق الإنسان وعدم التعدي علي الأقليات وعدم المساس بمقدساتهم، أو حينما يقول علي الجانب الآخر من المعمورة في بلاد الفرس أن الواجب علينا أن نكون نموذجاً مثلهم أو نحذو حذوهم، وليس علي الله بكثير أن نكون يوماً ما أحد أكبر ولاياتهم والسعي إلي هذا الغرض الشريف ظاهرياً من الفريقين، »يقول بعض مفكرونا سمعاً وطاعة!
ولكن لا يسعنا كتمان ما في تحقيق هذه الأماني المغرضة من صعوبات، فإن من الحمقي اعتبار المسألة بهذه البساطة ويمكن تحقيقها فإن التركيبة السكانية المصرية والنسيج الوطني والمعتقدات الدينية راسخة ومتينة ومتماسكة ولها تاريخ يصعب اختراقه من أي جهة خارجية فنحن أمة واحدة من الألف إلي الياء نزرع ونحصد ومصيرنا واحد مهما طال الزمان، كما أنه من العبث التغرير بالمصريين بمثل هذه الأماني في ظل المعطيات الواقعية وخروج المارد من قمقمه بعد 25 يناير، فإلي من يوجهوا هذا الخطاب يا تري؟!
فالواجب علينا في هذا الموضوع هو إنشاء روح وطنية واحدة لا روح عناد واضطراب وفتنة طائفية واستخدام شعارات منفردة مثل عنصري الأمة، بل الواجب أن نحترم أولي الأمر ونفعل سيادة القانون علي كل من يحاول المساس بما حققناه من ثورة بيضاء لا حمراء ولا سوداء، بل إن أسهل سبل الإقناع وأكدها في الوصول إلي الغرض هو سبيل المحاسنة التي لا تجر إلي ترك حق أو تزيين باطل، فما كان من البعض إلا إعدام هذا القيد وتسمية المحاسنة التي تكلمنا عنها محاسنة مطلقة.
وبنيت علي ذلك سؤالاً طويلاً لا يرد في مثله جواب، لم يكن من لزومه لإعادة هذا الماضي، لولا ما أحزننا من هذه الفوضي في المناقشات والمعاملات والحوار الفكري والدعاوي، وما آلمنا أكثر من ذلك نفوذ بعض التكتلات ذات الصبغات المختلفة في كل شيء حتي حياتنا اليومية وأمورنا الشخصية التي يفترض أن تكون حرة.
إن الاستقلال الفكري هو جملة أمانينا، فكم يألم أحدنا إذا لم يجد للاستقلال الفكري أثراً حين يري قادة الأفكار منا يستحسنون ويستهجنون أقوالاً واحدة بعينها بالنظر لقائليها، لا بالنظر إليها نفسها! نحن لا ندعي علماً كعلمهم ولا مقاماً في الوجود كمقاهم، ولكن يحزننا أن يتسم الفرق بيننا وبينهم إلي درجة تناجر في تأويل ذم قولنا ومدح قولهم، وهما سواء، إن الاستقلال الفكري فوق كل شيء، فيؤسفنا أن نراه مقضياً عليه إلي هذا الحد، وعسي أن نراه يوماً حياً يتجلي فتعرف به الأشياء كما هي علي حقيقتها العارية، ولا ينظر لأحد بعين ولآخر بعين غيرها.
وأتصور في النهاية أن هذا هو أحد أسباب قيام ثورة يناير بل وأؤكد أن هذا الهدف كان علي رأس أولوياتها، ولعل الوقت لم ينقض بعد حتي نحقق كما تمنينا حرية، كرامة، عدالة الاجتماعية، لكل المصريين، بدون تمييز بين مصري ومصري من خلال خانة الديانة في هوية التعريف.
*كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
تجد الموضوع في
مقالات الدكتور ايمن رفعت المحجوب
اكثر المشاركات شهرة
-
كيف تصبح مديراً ناجحاً كيف تصبح مديرا جيدا أن تكون قياديا في أي صناعة يمكن ان تكون وظيفة للانجاز، ولكنها يمكن أيضا أن تكون وظيفه صعبة. سو...
-
ماذا لو كان للرئيس مبارك أو للرئيس السابق مبارك كما يحلو للبعض أن يطلق عليه الأن بريد اليكترونى خاص به وماذا سيحدث اذا ما تم اختراق الباسو...
بحث هذه المدونة الإلكترونية
المتابعون
Facebook Badge
الاقسام
- اخبار الاحزاب
- اخبار عاجلة
- اخبار عربية
- اخر اخبار الميدان
- اسعار الذهب اليوم
- اسماء الشهداء
- اضرابات واعتصامات
- الاسلاميون
- المشروعات والارباح المصرية
- المهارات الادارية
- جوجل ادورد
- رياضة
- صحة وعلماء
- صور عاجلة
- طرق لسهولة استخدام الانترنت
- فن
- مطبخ الجمل
- معارض
- مقالات
- مقالات : وليد عثمان
- مقالات الدكتور ايمن رفعت المحجوب
- مقالات طارق عبدالمجيد
- مقالات علاء الاسوانى
- موقعة الجمل
- موقعة الجمل بورسعيد
- English section
التسميات
- اخبار الاحزاب
- اخبار عاجلة
- اخبار عربية
- اخر اخبار الميدان
- اسعار الذهب اليوم
- اسماء الشهداء
- اضرابات واعتصامات
- الاسلاميون
- المشروعات والارباح المصرية
- المهارات الادارية
- جوجل ادورد
- رياضة
- صحة وعلماء
- صور عاجلة
- طرق لسهولة استخدام الانترنت
- فن
- مطبخ الجمل
- معارض
- مقالات
- مقالات : وليد عثمان
- مقالات الدكتور ايمن رفعت المحجوب
- مقالات طارق عبدالمجيد
- مقالات علاء الاسوانى
- موقعة الجمل
- موقعة الجمل بورسعيد
- English section
0 التعليقات:
إرسال تعليق